هل أدمغة الأشخاص الأذكياء مختلفة؟ الجواب المختصر عن هذا التساؤل هو نعم. يتفاوت الناس في ذكائهم، ولذا كيف يمكننا تفسير هذا الاختلاف إن لم نعزُه للاختلافات في بنية أو وظيفة الدماغ؟ غير أن هذه الاختلافات تحديدا هي محل بحث متعمق. أول ما يمكن ملاحظته هو أن الأشخاص ذوي الأدمغة الكبيرة غالبا ما يكون لديهم بالفعل معدل ذكاء أعلى، ولكن ثمة المزيد من العوامل التي تتحكم في ذلك أكثر من مجرد الحجم. لمعرفة المزيد حول هذا الأمر، نحن بحاجة إلى تدقيق النظر في المادة البيضاء والمادة الرمادية التي تُشكّل دماغنا. تتكون المادة الرمادية من الأجسام الرئيسية للخلايا العصبيّة، في حين تتكون المادة البيضاء بشكل أساسي من المحاور العصبيّة التي تنقل الإشارات الكهربائية. اكتشف روجير كييفيت وزملاؤه من وحدة الإدراك وعلوم الدماغ التابعة لمجلس البحوث الطبية في كامبريدج، المملكة المتحدة، أن حجم المادة الرمادية في الفص الجبهي مرتبط بالذكاء المائع، وهو القدرة على التفكير المنطقي وحل المشكلات الجديدة دون معرفة سابقة، عن طريق التعرف على الأنماط والعلاقات واستخدام الاستنباط لحل المشكلات. ووجدوا أيضا أن ذلك مرتبط بمقدار روابط المادة البيضاء الموجودة بين نصفي الجزء الجبهي من الدماغ. بيد أن الأمر لا يعتمد فقط على كمية الأنسجة. فواحدة من السمات الأكثر إثارة للدهشة التي تتميز بها أدمغة الثدييات هي وجود الأخاديد والتلافيف العميقة من المادة الرمادية على سطحها، مما يعطيها مظهرا يشبه حبات الجوز. بالإضافة إلى أنها تساعد على زيادة مساحة سطحها بشكل كبير، مما يقرب الخلايا من بعضها البعض ويسمح لها بالتواصل بشكل أسرع. ومن المؤكد أن مقدار تلك الأخاديد يرتبط بسرعة التفكير والذاكرة العاملة، فالأشخاص الأكثر ذكاء تتسم أدمغتهم بالمزيد من التلافيف. ومع ذلك، ما زلنا لا نعرف أين يقبع الذكاء في الدماغ. لاستكشاف ذلك، يمكننا الاعتماد على واحدة من أشهر الأفكار حول موقع الذكاء، وهي نظرية تُعرف باسم “نظرية التكامل الصدغي الجبهي”. تقترح هذه النظرية أن الأساس البيولوجي للذكاء هو شبكة تربط بين مناطق الدماغ النشطة المختلفة. يمكننا العثور على أدلة على هذه المناطق النشطة في الدراسات القائمة على تصوير الدماغ. فقد تمكّنت الباحثة أولريكي باستن وزملاؤها في جامعة غوته في فرانكفورت، في ألمانيا، من تحديد شبكة تصل ما بين 20 منطقة مختلفة في المناطق الجبهية والصدغية التي ترتبط بالذكاء، وذلك من خلال دراسة الكيفية التي تنشط بها أجزاء من الدماغ أثناء تأدية المهام المعرفية. وقد توصلوا إلى أن كثافة المادة الرمادية أو قوة النشاط العصبي في هذه المناطق ينمّ عن معدل ذكاء مرتفع. يبدو أننا أوشكنا على الوصول إلى نتيجة، ولكن هذه الأدلة لا تعني أن الأشخاص الأكثر ذكاء لديهم أدمغة مختلفة من الناحية التشريحية فقط، بل يبدو أن لديهم أدمغة تعمل بكفاءة أكبر أيضا. يفسر إميليانو سانتارنيكي من مدرسة طب هارفارد ذلك قائلا: “حتى لو اتسم الدماغ بهيكل خارجي مناسب لتحقيق مستويات أداء عالية، لن يكون للأمر أهمية دون وجود جهاز حاسوب داخلي لتنظيم طرق توفير الطاقة، ومتى تُخصص الموارد في كل لحظة”. تشير دراسة سانتارنيكي إلى أن التحفيز المغناطيسي قد يزيد من كفاءة معالجة الدماغ، ويؤكد أيضا أهمية المرونة، أو القدرة على التغيير. ربما يمتلك بعض الناس أدمغة أكثر مرونة بطبيعتها وأقدر على التعلم. هذا ناهيك بالجانب الوراثي. فعلى الرغم من أننا نعرف أن مئات الجينات تساهم في الذكاء، فقد يستغرق الأمر وقتا طويلا لاكتشاف الفروق الدقيقة في تأثيرها. ولكن حتى حينها لن يكون من السهل إيجاد المركز المسؤول عن الذكاء، الذي يعتبر أغنى سمة بشرية موجودة في الدماغ، الذي يُعد بدوره أعقد الأشياء المعروفة في الكون وأكثرها غموضا.