لاحظ العلماء في جامعة مارتن لوثر في هاله-فيتنبرغ (Martin-Luther-Universität Halle-Wittenberg) بألمانيا سلوكا غريبا في النمل، ففي كل مرة يأكل فيها النمل أو يشرب، يقوم بعدها بتنظيف الغدد الموجودة في مؤخرته.
وطبقا للبيان الصحفي الذي نشرته الجامعة تعقيبا على نتائج الدراسة المنشورة في دورية “إي لايف” (eLife) في الثالث من الشهر الحالي، فإن عالم الحيوان وقائد الدراسة سيمون تراغوست يرى أن هذا السلوك “لا يرتبط بالهضم في حد ذاته، فالنمل يفعل الشيء نفسه بعد شرب الماء”.
سلوك غريب
لذلك قرر تراغوست وفريقه معرفة ما الذي سيحدث إن منعوا النمل من القيام بهذا السلوك، وبعدما سمحوا للنمل الحفار من نوع (Camponotus floridanus) بتناول الغذاء، قاموا بإيقاف حركته وذلك بوضعه في الثلج، إذ لا يستطيع النمل الحركة في البرد القارس.
لكن عندما تعود درجات الحرارة لطبيعتها، تعود حركة النمل على الفور، ومن ثم قام العلماء بقياس درجة حامضية الجهاز الهضمي.
ولاحظ الفريق انخفاض مستويات الحمضية عندما كان النمل غير قادرا على امتصاص المادة السامة المسماة حمض الفورميك (ويعرف أيضا باسم حمض النمليك لاشتهار لسعات النمل به) والذي يخرج من المسام الحمضية الموجودة على بطون النمل.
ويستخدم النمل حمض الفورميك كسلاح ضد الحيوانات المفترسة، فعلى سبيل المثال، يقوم نمل الخشب بقذف ذلك السم الحمضي في وجه أعدائه. ويشتهر النمل الحفار بإفرازه حمض الفورميك الذي يساعده على شل حركة فريسته بعد عضها بفكه السفلي.
استخدامات مختلفة
وتستغل بعض الطيور هذه السلوك المميز للنمل في التخلص من الجراثيم، إذ تقوم هذه الطيور بحمل النمل الذي يساعدها على إفراز هذه المادة السامة لقتل الجراثيم، بينما نستخدم نحن البشر حمض الفورميك في علف الماشية وفي المبيدات الحشرية كعامل مقاوم للبكتيريا.
كما أن النمل يستخدم حمض الفورميك لأغراض متعددة أيضا كما يفعل البشر، إذ يستخدمه كمطهر كيميائي للحفاظ على أعشاشه نظيفة ولتنظيف صغاره والإبقاء على الجراثيم الضارة تحت السيطرة، كما يساعدهم أيضا على إبقاء أمعائهم خالية من الطفيليات.
غير أن الإنسان إذ ابتلع جرعة كبيرة من حمض الفورميك، فإن ذلك سيتسبب في تآكل أنسجه الجسم، وقد يتسبب في الصداع إذا تم استنشاقه أو أن يؤدي إلى قيء دموي إذا تم هضمه، وعن أهمية هذا الحمض يرى الفريق أنه يساعد النمل على البقاء بعد أن يتغذى على أي طعام ملوث بالجراثيم.
حامضية أعلى وميكروبات أقل
رغم أن الحيوانات الفقارية تشتهر بمعداتها الحمضية، فإنه نادرا ما نرى مثل هذه السمية في الحشرات، كما أن الكيفية التي يُبقِي بها النمل على هذه الدرجة من الحمضية كانت غير معروفة.
وهو الأمر الذي يشرحه تراغوست قائلا “يحافظ النمل على درجة عالية من الحمضية الموجودة في معدته وذلك بابتلاع إفرازات غدده السامة، حيث ينظم ابتلاع هذا الحمض الميكروبات الموجودة في أمعاء النمل”.
ومن الغريب أن النمل يحتوي على تنوع ميكروبي أقل في أمعائه رغم مشاركته الطعام مع بعضه بعضا، وهو الأمر الأمثل لانتقال وانتشار الميكروبات. إلا أن وجود حمض الفورميك قد يفسر السبب وراء نقص المحتوي الميكروبي بهذا الشكل في أمعاء النمل.
ووجد العلماء أن هناك نوعا واحدا من البكتيريا التي يمكنها مقاومة هذا الحمض والبقاء على قيد الحياة، حيث أشار الباحثون إلى تمكن البكتيريا الخلالية (Acetobacteraceae) من البقاء والازدهار في الأوساط المعملية التي تحتوي على حمض الفورميك، وهو الأمر الذي لم تستطع عليه البكتيريا الأخرى.
وتوجد “البكتيريا الخلالية” في عدد من أنواع النمل. وتشير بعض الدراسات الحديثة إلى أن هذه البكتيريا مفيدة للنمل، إذ تساعده على هضم المواد الغذائية.
كما وجد تراغوست وفريقه أن النمل غير القادر على الوصول إلى سمومه الحمضية تلك كان لديه نسبة أخرى من الحمضية المتغيرة الموجودة في حويصلاته القريبة من المعدة، والتي يخزن بها الطعام الذي سيشاركه مع مستعمرات النمل.
وتعتبر هذه الحويصلات بمثابة الطريق البديل الذي يمكنه أن يزيد من درجة حموضة الجهاز الهضمي، إلا أننا بحاجة للمزيد من الدراسات للتأكد من مصدر الحمض الموجود في تلك الحويصلات، إذ لا نعرف بعد ما إذا كان هذا الحمض مفرزا بطريقة مشابهة لأحماض معدتنا أم لا.
التعليقات مغلقة.