ظل زعيم المعارضة التركية كمال كيليجدار أوغلو طيلة حياته المهنية خصماً للرئيس رجب طيب أردوغان لكنه يرى أن الوقت قد حان ليضع البلاد على مسار جديد، يمحو الكثير من إرث الرجل الذي هيمن على السياسة التركية لعقدين من الزمان. واختار تحالف من 6 أحزاب معارضة، الموظف المدني السابق “الجاد والمشاكس أحياناً”، كيليجدار مرشحاً لمنافسة أردوغان في انتخابات 14 مايو الجاري، التي يُنظر إليها على أنها ربما الأهم في تاريخ البلاد الحديث. وتظهر استطلاعات الرأي عموماً، أن كيليجدار أوغلو البالغ من العمر 74 عاماً، يتفوق على أردوغان وربما يفوز عليه في جولة ثانية من التصويت، بعد حملة شاملة تعد بحلول لأزمة ارتفاع تكلفة المعيشة التي أدت إلى تآكل شعبية الرئيس في السنوات الأخيرة. وتعهد كيليجدار أوغلو بالعودة إلى السياسات الاقتصادية التقليدية ونظام الحكم البرلماني واستقلال القضاء الذي يقول منتقدون إن أردوغان استخدمه لقمع المعارضة، كما تعهد بعلاقات أكثر سلاسة نوعاً ما مع الغرب. تهدف خطة المعارضة، والتي تعد تحولاً، إلى تهدئة التضخم الذي بلغ 85% العام الماضي، على الرغم من توقعات تسببها في اضطراب للسوق المالية ربما سيكون الأحدث في سلسلة من الانهيارات في العملة. “حان وقت التغيير” وقال كيليجدار أوغلو، خلال مؤتمر انتخابي حاشد، الأسبوع الماضي: “أعرف أن الناس يناضلون من أجل تدبر أمورهم. أعرف تكلفة المعيشة ويأس الشبان، لقد حان وقت التغيير. من الضروري وجود روح جديدة وفهم جديد”. ويقول منتقدون إن كيليجدار أوغلو، الذي سخر منه أردوغان بعد هزائمه الانتخابية المتكررة كرئيس لحزب الشعب الجمهوري، يفتقر إلى قدرة خصمه على حشد الجماهير ولا يقدم رؤية واضحة لعهد ما بعد أردوغان. ويتطلع كيليجدار أوغلو إلى البناء على انتصار المعارضة في عام 2019 عندما هزم حزب الشعب الجمهوري، حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة أردوغان في إسطنبول ومدن كبيرة أخرى في الانتخابات المحلية، وذلك بفضل دعم ناخبي أحزاب المعارضة الأخرى. وحتى لو انتصر مرشح المعارضة التركية، يواجه كيليجدار أوغلو، تحديات تتمثل في الحفاظ على وحدة تحالف للمعارضة يضم قوميين وإسلاميين وعلمانيين وليبراليين. وجاء اختياره مرشحاً بعد خلاف استمر 72 ساعة انسحبت فيه لفترة وجيزة ميرال أكشينار زعيمة حزب “الجيد”، ثاني أكبر حزب في البلاد. وقال الكاتب والمحلل السياسي المقيم في تركيا، بيرول باشكان، إن كيليجدار أوغلو “يرسم صورة معاكسة تماماً لأردوغان، الذي يعد شخصية مستقطبة ومقاتل يعزز قاعدته الانتخابية”. وأضاف: “كيليجدار أوغلو يبدو أكثر كرجل دولة يسعى للوحدة والوصول إلى أولئك الذين لا يصوتون له، هذا هو سحره، ومن الصعب جداً القيام بذلك في تركيا، لست متأكداً من أنه سيفوز لكنه الشخص المناسب في الوقت المناسب”. هل يستطيع هزيمة أردوغان؟ تشير استطلاعات الرأي، إلى أن المنافسة ستكون محتدمة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي لن تفضي فقط إلى اختيار رئيس البلاد ولكن أيضاً إلى تحديد الدور الذي قد تلعبه أنقرة لتهدئة الصراعات في أوكرانيا والشرق الأوسط. ويتساءل كثيرون حول إمكانية أن يُلحق كيليجدار أوغلو الهزيمة بأردوغان، الزعيم الأطول خدمة في البلاد والذي ساعدت شخصيته وبريق حملاته الانتخابية في تحقيق أكثر من عشرة انتصارات انتخابية. ويقول محللون إن أردوغان صار “أقرب للهزيمة من أي وقت مضى” رغم نفوذه على وسائل الإعلام، والمحاكم، وإنفاق حكومته المالي القياسي على المساعدات الاجتماعية قبل الانتخابات. وشددت المعارضة على أن مسعى أردوغان لخفض أسعار الفائدة أطلق أزمة تضخمية أضرت بشدة بميزانيات الأسر، فيما تقول الحكومة إن هذه السياسة أدت إلى نمو الصادرات والاستثمار ضمن برنامج يشجع حيازات الليرة. “مداواة الجروح القديمة” عمل كيليجدار أوغلو قبل دخوله عالم السياسة في وزارة المالية ثم رئيساً لمؤسسة التأمين الاجتماعي التركية خلال معظم فترة التسعينيات. وانتقص أردوغان في خطاباته مراراً من أداء منافسه عندما كان في ذلك المنصب. كان كيليجدار أوغلو خبيراً اقتصادياً وأصبح نائباً في البرلمان عن حزب الشعب الجمهوري في عام 2002، عندما وصل حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان إلى السلطة لأول مرة. وحزب الشعب الجمهوري المنتمي ليسار الوسط هو حزب أنشأه مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك وناضل حتى يتجاوز أصوله العلمانية ويقترب من المحافظين. وتحدث كيليجدار أوغلو خلال السنوات الماضية عن الرغبة في مداواة الجروح القديمة مع المسلمين والأكراد المتدينين. وصعد كيليجدار أوغلو إلى الصدارة باعتباره مناهضاً للكسب غير المشروع، وظهر على شاشة التلفزيون ملوحاً بملفات أدت إلى استقالات لمسؤولين رفيعي المستوى. وبعد مرور عام على خسارته سباقاً على رئاسة بلدية إسطنبول، تم انتخابه دون أي منافسة زعيماً للحزب في عام 2010. وأذيعت خلال ذلك التجمع أغنية الحملة التي وصفته بأنه رجل “نظيف وصادق”. وقال كيليجدار أوغلو، بينما كان يرتدي قميصاً مقلماً وسترة سوداء، لأنصاره “نحن قادمون لحماية حقوق الفقراء والمضطهدين والعمال”. وبنى حزب الشعب الجمهوري آمال في بداية جديدة بعد انتخاب أوغلو زعيماً له، لكن تأييد الحزب لم يتجاوز منذ ذلك الحين 25%. وحصل حزب العدالة والتنمية على 43% في الانتخابات البرلمانية الأحدث التي جرت عام 2018. “إصلاحات في هدوء” ويرى البعض أن كيليجدار أوغلو، أجرى إصلاحات للحزب بهدوء مع تهميشه لموالين متشددين يتبنون نسخة صارمة من أفكار أتاتورك بينما كان يُرقي أعضاء يُنظر إليهم على أنهم أكثر ارتباطاً بقيم الديمقراطية الاجتماعية الأوروبية. ويقول المنتقدون إن أوغلو لم ينجح في إضفاء المرونة على حزب الشعب الجمهوري ثم فرض نفسه في النهاية مرشحاً رئاسياً، على الرغم من أن آخرين حققوا خلال استطلاعات رأي نتائج أفضل في مواجهة أردوغان. ولد كيليجدار أوغلو في إقليم تونجلي الشرقي، وهو من العلويين، واعترف بذلك علناً الشهر الماضي، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ساعياً إلى وقف هجمات سياسية باعتبار أن معتقدات العلويين تجعلهم على خلاف مع الغالبية السنية في البلاد. “غاندي كمال” وأطلق عليه الإعلام التركي لقب “غاندي كمال” بسبب تشابهه مع أيقونة استقلال الهند غاندي في نظارته الطبية ومظهره البسيط، ونال استحساناً كبيراً من الناس في عام 2017 عندما أطلق “مسيرة من أجل العدالة” لمسافة 450 كيلومتراً من أنقرة إلى إسطنبول بسبب اعتقال أحد نواب حزبه. واحتشد الآلاف من أجل دعم كيليجدار أوغلو في مدينة فان، ذات الغالبية الكردية، الأسبوع الماضي، بعد حصوله على تأييد حزب الشعوب الديمقراطي الكبير المؤيد للأكراد رغم أن هذا الحزب ليس عضواً في تحالف المعارضة الرئيسي. وقال فاروق يسار، 27 عاماً، وهو كردي في إقليم باتمان، جنوب شرق البلاد، “قاطعت الانتخابات منذ 2018 لكنني سأصوت لصالح كمال كيليجدار أوغلو هذه المرة. صعود الإسلاميين المتشددين يحفزني”.